المسئولية في الإسلام
كلكم راعٍ ومسئول عن رعيته
مقدمة المؤلف
إن الحمد لله، أحمده وأستعينه وأستهديه، وأعوذ بالله من شر نفسي وسيئات عملي، من يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً..
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم..
أما بعد:
فقد كنت أفكر ذات ليلة من ليالي سنة 1388هـ. – لمناسبة ما – في مسئولية الأمة الإسلامية أفراداً وجماعات عن القيام بواجبهـم كل فيما تحت يده.. قفز في ذهني الحديث الشريف: (كلكم راعٍ وكلكم مسئول عن رعيته).
وأخذت أتأمل فقراته، فسبحت في أطراف بحاره متأملاً تلك الروعة النبوية الشاملة التي لم تدع منفذاً يفكر أي فرد من أفراد المسلمين أن يتسلل منه فراراً من مسئوليته، إلا سدت عليه إحدى جمل هذا الحديث، فكنت أردد كل جملة على حدة عدة مرات..
(كلكم راع وكلكلم مسئول عن رعيته...
الإمام راع ومسئول عن رعيته..
والرجل راع في أهله ومسئول عن رعيته...
والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها..
والخادم راع في مال سيده ومسئول عن رعيته..
وكلكم راعٍ وكلكم مسئول عن رعيته..).
ولشدة ما أدهشتني ألفاظ هذا الحديث العظيم كنت أسأل نفسي هل قرأته قبل هذه الليلة..؟
ويكاد يكون الجواب: لا، لولا أن دليلاً مادياً قام على عكس هذا النفي، وهو حفظي لألفاظه التي كنت أرددها وأنا مستلقٍ على سرير نومي في جنح الظلام..
وهكذا بت ليلتي إلى أن طرق سمعي صوت المؤذن ينادي لصلاة الفجر.
وبعد أن صليت الفجر رجعت إلى سريري محاولاً إغماض أجفاني قليلاً، فلم يجرؤ النوم على ولوجها..
ثم قلت في نفسي: لا ينبغي أن تفوت هذه المشاعر وتُنسَى.. بل لا بد من تسجيلها، لعل المسلم الذي يتمكن من الإطلاع عليها يستيقظ قلبه لمسئوليته المنوطة به..
فاستعنت بالله تعالى وكتبت ما يسر الله لي حول هذا الحديث..
فكانت هذه العجالة التي لم يأخذ الحديث حقه منها، ولكنها تفتح الباب لذي علم غزير وباع طويل يستطيع أن يعطي المقام حقه..
وإني لأنصح كل مسلم ومسلمة أن يكثروا من تأمل نص الحديث نفسه، ففي ألفاظه من المعاني التي تملأ القلب وتثير المشاعر، ما لا يستطيع اللسان أو القلم التعبير عنها..
كيف وهي من جوامع كلم الرسول صلى الله عليه وسلم؟.
وقد جعلت هذه التعليقات أربعة أبواب، حسب المسئوليات المذكورة فيه:
الباب الأول: مسئولية الإمام..
الباب الثاني: مسئولية الرجل..
الباب الثالث: مسئولية المرأة..
الباب الرابع: مسئولية الخادم..
ويشتمل كل باب منها على فصول ومباحث مفيدة، أرجو الله تعالى أن ينفعني وإخواني المسلمين بها..
وأن يغفر ما زلَّ به القلم بدون قصد مني، وستر العيب من القارئ مندوب.. ونصحه ـ إن بدا له شيء ـ مطلوب، والله المستعان..
وهو حسبنا ونعم الوكيل..
وصلى الله على نبينا وحبيبنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم..
التقرير الثاني
المسئولية
في ظل شريعة الإسلام يجد المرء نفسه مسئولاً أمام الله تعالى عن كل شيء، حتى على النعمة المنعم بها عليه. وتتوزع مسئولية المسلم في كل شيء، فهو مسئول عن نعمه، وعن بيته، وأولاده، والقيام بتربيتهم تربية سوية، وعن مجتمعه، ثم تأتي المسئولية الجماعية ولوازمها مبتدأة بالإمامة الكبرى في تحكيم شرع االله، ومسئولية تربية الأجيال، ومسئولية قيام البيت المسلم، ومسئولية الإعلام في نصرة الإسلام. ثم القيام بمسئولية النصيحة، والحفاظ على قيمة الوقت لاسيما في الإجازات.
صور من المسئوليات
إن الحمد لله، نحمدك ربي ونستعينك ونستغفرك ونتوب إليك، ونثني عليك الخير كله، سبحان ذي المنن والآلاء والعز والعظمة والكبرياء، المستحق لأعظم الشكر، وأجزل الثناء.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له المنزه عن الأنداد والنظراء، والأمثال والشركاء، جعل كل راعياً ومسئولاً عن رعيته من الرجال والنساء، وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله إمام الحنفاء، وقائد الأصفياء، وأفضل من شرع أسس الإصلاح والبناء، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله الشرفاء، وصحبه الأوفياء، والتابعين ومن تبعهم بإحسان مادامت الأرض والسماء.
أما بعد:
فيا عباد الله: أوصيكم ونفسي بتقوى الله جل وعلا، اتقوه سبحانه في أنفسكم ومسئولياتكم؛ فتقوى الله هي العز من غير جاه ونسب، والشرف من غير منصبٍ وحسب، هي الغنى من غير مال، وبها صلاح الحال والمآل.
أيها المسلمون: مقومات نهضة الأمم والمجتمعات، ودعائم تشييد الأمجاد والحضارات، يكمن في العناية بقضية غاية في الأهمية، قضية تُعدُّ بداية طريق البناء الحضاري، ولبنة مسيرة الإصلاح الاجتماعي، والمتأمل في دنيا الناس اليوم وواقع الأمة المعاصر، يهوله ما تعيشه الغالبية الساحقة من شعوب العالم من حياة الفوضى واللامبالاة، وعلى الرغم من توفر كثير من الإمكانات، وتسيير كافة التسهيلات، مما تقذفه رحم المدنية المعاصرة من وسائل التقنيات، وما يفرزه الواقع اليومي من شتى المغالطات، وكثرة المتناقضات، مع نسيج المتغيرات والمستجدات.
كلما أنبتَ الزمان قناة ركب المرء في القناة سنان
والمسلم الحق يتلمس دائماً طريق الإصلاح ليعيد للأمة شيئاً من عافيتها، بعد أن اشتدت عليها الأزمات وكثرت عليها السهام والتحديات، وهنا يأتي بيتُ القصيد في قضيتنا المطروحة بحرارة كمخرج للأمة من نفق التيه المظلم، لتنهض من كبواتها، وتحقق طموحاتها، إنها قضية المسئولية.