السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
المقدمة :
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد
يعتبر الوقف من سمات المجتمع الإسلامي ومن أبرز نظمه في تحقيق التنمية الاجتماعية والاقتصادية، ولقد اهتم به الفقهاء ووضعوا له الأحكام التي تضبط معاملاته بهدف المحافظة على أمواله وتنميتها واستمرارية تقديم منافعها إلى المستفيدين وفقاً لمقاصد الواقف الواردة في حجة الوقف.
الموضوع:
تعريف الوقف:
(هو حبس العين عن أي تصرف تمليكي و التبرع بريعها لجهة خيرية) أو تحبيس الأصل وتسبيل المنفعة، وهو صدقة جارية يقفها المرء ويسبّلها في حياته لوجوه الخير والبر، فيستمر أجرها مادامت باقية. وفي هذا عظيم المنفعة للواقف بإجراء حسنات له في حياته وبعد مماته، لما في ذلك من فضائل الوقف النافعة التي تعين على الخير والأعمال الصالحة، وتعين أهل العلم والعبادة، وتسد حاجات الفقراء والمساكين، والمرضى والمعوزين، وترفع راية الدين بنشر العلم النافع، وبناء المدارس ودور الأيتام.
مشروعية الوقف:
وقد شرع الله الوقف والندب إليه وجعله قربة من القرب التي يتقرب بها إليه؛ ولم يكن أهل الجاهلية يعرفون الوقف وإنما استنبطه الرسول – صلى الله عليه و سلم- ودعا إليه وحبب فيه برا بالفقراء و عطفا على المحتاجين ؛ ففي الحديث أن رسول الله قال: {إن مما يلحق المؤمن من عمله وحسناته،بعد موته، علماً نشره، وولداً صالحاً تركه، ومصحفاً ورّثه، ومسجداً بناه، أو بيتاًلابن السبيل بناه أو نهراً أجراه، أو صدقة أخرجها من ماله في صحته وحياته، تلحقه منبعد موته}
انعقاد الوقف :
ينعقد الوقف بأحد أمرين :
الأمر الأول » القول الدال على الوقف ←(كأن يقول : وقفت هذا المكان)
الأمر الثاني » الفعل الدال على الوقف في عرف الناس ← ( كمن جعل داره مسجدا, و أذن للناس في الصلاة فيه إذنا عاما – أو جعله أرضه مقبرة و أذن لناس في الدفن فيها).
الوقف في العصور الأولى :
كان الوقف من أعمالهم التي سارعوا إليها فقد كان لأبي بكر دور بمكة فأوقفها على أولاده، وعمر أصاب أرضاً بخيبر فأتى النبي يستأمره فيها فقال: يا رسول الله إني أصبت أرضاً بخيبر لم أصب مالاً قط هو أنفس عندي منه. فقال : {إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها}. فتصدق بها عمر في الفقراء، وفي ذي القربى، وفي الرقاب، وفي سبيل الله، وابن السبيل والضيف... وفي خلافته أعلن صدقته ودعا نفراً من المهاجرين والأنصار فأخبرهم بذلك وأشهدهم عليه فانتشر خبرها. وتسابق الصحابة في وقف كثير من أموالهم وحبسها في أوجه الخير والبر. قال جابر رضي الله عنه: ( فما أعلم أحداً كان له مال من المهاجرين والأنصار إلا حبس مالاً من ماله صدقة مؤبّدة لا تشترى أبداً، ولا توهب، ولا تورث) .
وقد أوقف عثمان بن عفان أملاكه بخيبر على أولاده، كما سبّل بئر رومه لوجه الله تعالى. وأوقف علي بن أبي طالب عيوناً من الماء في ينبع. كما أوقف ضيعتين تسمى إحداهما عين أبي نيزر، والثانية تسمى البغيبة، وجاء في وقفها: ( بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما تصدق به عبد الله علي أمير المؤمنين، تصدق بالضيعتين المعروفتين بعين أبي نيرز، والبغيبة، على فقراء المدينة وابن السبيل ليقي الله بهما وجهه حر النار يوم القيامة، لا تباعا ولا تورثا، حتى يرث الله الأرض وهو خير الوارثين، إلا أن يحتاج إليهما الحسن أو الحسين فهما طلق لهما وليس لأحد غيرهما.)..
ولقد أوقفت أسماء بنت أبي بكر دارها صدقة حبس لا توهب ولا تورث.
وتصدقت أم المؤمنين أم حبيبة بنت أبي سفيان رضي الله عنها بأرضها في الغابة صدقة على مواليها وعلى أعقابها حبساً لا تباع ولا توهب ولا تورث.
وروى البخاري ومسلم عن أنس بن مالك قال: كان أبو طلحة أكثر أنصاري بالمدينة نخلاً. وكان أحب أمواله إليه يبرحا، وكانت مستقبلة المسجد، وكان النبي يدخلها ليشرب من ماء فيها طيب، فلما نزلت هذه الآية قال أبو طلحة: يا رسول الله إن الله يقول:لتنالوا الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ[آل عمران:92]. وإن أحب أموالي إليّ بيرحاء، وإنها صدقة لله أرجو برّها وذخرها عند الله، فضعها يا رسول الله حيث أراك الله، فقال رسول الله : { بخ ذلك مالٌ رابح، ذلك مالٌ رابح، وقد سمعت ما قلت، وإني أرى أن تجعلها في الأقربين}، فقال أبو طلحة: أفعل ذلك يا رسول الله، فقسمها أبو طلحة في أقاربه وبني عمه.
وقد احتبس خالد بن الوليد أدراعه وأعتاده في سبيل الله.
ويجوز وقف كل ما جاز بيعه وجاز الانتفاع به مع بقاء عينه، سواء كان ثابتاً كالعقار، أو منقولاً كالسلاح، والثياب والسيوف.
ويصح وقف الحلي للبس والإعارة، فعن نافع قال: )ابتاعت حفصة حلياً بعشرين ألفاً فحبسته على نساء آل الخطاب فكانت لا تخرج زكاته ).
وأفضل أنواع الصدقات أنفعها وأدومها، ولا يتأتى هذا إلا إذا كانت الصدقة مضمونة البقاء، تقوم على أساس، وتنشأ من أجل هدف محدد، وترمي إلى غاية شرعية خيرة. فأغراض الوقف ليست قاصرة على الفقراء والمساكين وحدهم، أو دور العبادة والعناية بها فحسب، بل تتعدى ذلك إلى أغراض أخرى مثل: دور العلم، والمعاهد الشرعية، وطلبة العلوم الإسلامية القائمين على شريعة الله. والمستشفيات، والمجالات كثير ة متعددة، وقد أوقف صلاح الدين الأيوبي بلده بلبيس لفك أسرى المسلمين من أيدي الأعداء.
أختي المسلمة:
تتنوع حاجات الناس العامة للوقف بحسب المكان والزمان، وأول وقف في الإسلام هو مسجد قباء، قال ابن كثير رحمه الله: ( لبث رسول الله في بني عمرو بن عوف بضع عشرة ليلة، وأسس المسجد الذي أسس على التقوى وصلى فيه، ثم انتقل إلى منازل بني النجار من الأنصار ).
مجالات الوقف :
-1 الوقف بإنشاء المساجد ورعايتها والقيام بشؤونها .
-2 الوقف على الجهاد في سبيل الله.
-3الوقف على توزيع الكسوة للفقراء والأرامل و المحتاجين .
-4الوقف على المكتبات العامة كإنشائها وإيقاف الكتب الشرعية بها.
-5 إنشاء المدارس العلمية التي تكفل مجانية التعليم لأبناء المسلمين.
-6 إنشاء المراكز الطبية .
-7 تعبيد الطرق وشقها وإنشاء القناطر عل الأنهار.
-8 حفر الآبار وإجراء الماء .
-9 الأوقاف على الدعاة والوعاظ .
-10 الأوقاف للمشاركة في الإعلام الإسلامي.
-11 إنشاء الأربطة والملاجئ للعاجزين.
-12 الوقف على نشر دعوة التوحيد وتبليغ الإسلام .
-13 إقامة مراكز للمهتدين الجدد في أفريقيا مثلاً.
-14بناء مراكز الأيتام ورعايتهم والعناية بهم.
-15الوقف على تطوير البحوث المفيدة والنافعة.
-16 الوقف على جماعات تحفيظ القرآن الكريم التي نفع الله بها أبناء المسلمين.
17 الوقف على مدارس تحفيظ القرآن النسائية.
-18الوقف على رواتب المعلمين والمعلمات محفظي كتاب الله عز وجل.
-19إطعام الجائعين .
-20هداية ضال .
-21الوقف على تفريج الكرب .
-22الأوقاف على الدعوة على شبكة المعلومات (الإنترنت) .
-23إقامة مصانع لتدريب المسلمين وتعليمهم مهن صناعية وإنتاجية تنفعهم.
-24الوقف على فك الرقاب و إعتاق المسجونين الغارمين.
-25إيقاف الأراضي على المقابر لدفن المسلمين بها.
-26 شراء المصاحف وإيقافها في المساجد، خاصة خارج المملكة.